الافتاء بغير علم كذب على الله. الوحدة الثالثة

قال بعض العلماء: فكيف لو رأى ربيعة زماننا وإقدام من لا علم عنده على الفتيا، وتوثّبه عليها، ومد باع التكلف إليها، وتسلقه بالجهل والجرأة عليها، مع قلة الخبرة وسوء السيرة وشؤم السريرة، وهو من بين أهل العلم منكر أو غريب، فليس له في معرفة الكتاب والسنة وآثار السلف نصيب, ولا يبدي جوابًا بإحسان وإن ساعد القدر فتواه كذلك يقول فلان بن فلان
وقال المروذي: سمعت أبا عبد الله يقول: "ليتَّق الله عبدٌ، ولينظر ما يقول وما يتكلَّم به؛ فإنه مسؤول"، وقال بعض السلف: "ليتَّق أحدكم أن يقول: أحلَّ الله كذا وحرَّم كذا، فيقول الله له: كذبتَ لم أحلَّ كذا ولم أحرِّم كذا أيّها المسلمون، الواجبُ على المُستفتي سؤالُ العالم الذي تواترَ عند الناس بفضله وعلمه وبالسير على المنهج الصحيح وكونه أهلاً للفتوى، لا أن يأخذَ الفتوى من كلّ ما هبَّ ودبَّ

يوماً وإِنّا منهم بُرَآء ومن العجائب أَن يَرَوْنا دونهم.

9
حكم الفتوى بغير علم
وعلى هذا المنهجِ تربّى السلَف الصالحون، وتواصى عليه العلماءُ الربانيون، قال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أيُّ سماء تُظِلُّني وأيُّ أرضٍ تُقِلُّني إن أنا قُلتُ في كتاب الله ما لا أعلم؟! تذكَّروا منهجَ السلفِ الصالحين وأقوالَ العلماء العامِلين، قال عليٌّ رضي الله عنه: وا بَردها على كبدي ـ ثلاث مرات ـ، أن تسألَ الرجلَ عمّا لا يعلم، فيقول: الله أعلم ، ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: إذا غفل العالم عن لا أدري أُصيبَت مقاتِلُه ، وعن عقبةَ بن مسلم قال: صحبتُ ابن عمر رضي الله عنه أربعةً وثلاثين شهرًا، فكثيرًا ما كان يُسأَل فيقول: لا أدري، ثم يلتَفتُ إليَّ فيقول: تَدري ما يريدُ هؤلاء؟! قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِرِّيَّنَ -رَحِمَهُ الْلَّهُ-: "إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِيْنٌ فَانْظُرُوْا عَمَّنْ تَأْخُذُوْنَ دِيْنَكُمْ "
الافتاء بغير علم كذب على الله تعالى
وليتذكَّر من ابتُلِي بالفتوَى وجوبَ التثبُّت والتأنِّي، ومراعاة المشورة وتقليب أوجه النظر، وعدم التسرُّع والتعجُّل، فبذلك يقع المُفتي في الزّلل، ويُجانبُ الصواب، كما نرى ذلك في أرض الواقع
النهي عن قبيح الكلام ليس من الإفتاء بغير علم
ورغم هذا الوعيد الشديد فقد خرج على الأمة من أفتاها بجواز ربا البنوك، دون وجل أو خوف من ملك الملوك، أو خشية من عذاب الله، أو رهبة من حرب آذن بها الله، فإنا لله وإنا إليه راجعون
وإنَّ مِن التعدِّي على حرمةِ الشريعة وأحكامها نشرَ فتاوى شاذَّة وأقوالٍ ساقطة تهدِم الإسلامَ وتثلم الدينَ، وتثير البلبلةَ والفِتنة، وتفتِن ضعافَ العقول والعلمِ والدّين، وتظهِر الحقَّ في صورةِ الباطل والباطلَ في صورة الحق وهكذا في سلسلة أقوال شاذة وآراء فجة يمسك المتعالم لها رواية ضعيفة أو خلافًا شاذًا أو فهمًا مرضًا، فيبني عليه فتوى مجللة بحلل البيان ونضد الكلام، لكنها عَرِيّة عن الدليل والبرهان

وإليكم بعض الأمثلة لبعض الرُّوَيْبِضة الذين كثروا في زماننا هذا.

1
لا تقل كل ما تعلم
الفتوى بغير علم طريق الضلالات
ومن عجائبه أن يزري الصحفيون على طلبة العلم الذين يفتون على علم ثم يفتون هم بلا علم أصلا
ملخص تفسير ١
إن الكثير من الأمة اليوم بحاجة إلى معرفة من هو المؤهل لأن يُسأل، وليس كل من تكلم في الدين أهل لأن يُسأل، إنما يعرف العالم باهتدائه بهدي الوحيين القرآن والسنة على فهم السلف الصالح القرون الثلاثة المفضلة، لا على فهم المتأخرين الذين إن تكلموا في الفقه فبالرأي، أو في التفسير فبما تمليه عقولهم وأفهامهم، حتى تسمع أحدهم يفسر الجزء من القرآن لا يذكر في تفسيره حديثًا واحدًا أو قولاً لأئمة المفسرين، من أمثال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما من الصحابة، أو من بعدهم من مثل مجاهد، ولا من أصحاب التفسير كالطبري وابن كثير وغيرهما، ممن فسروا القرآن تفسيرًا أثريًا مبنيًا على الآثار الواردة فيه من أحاديث وغيرها
ومن أعظم سمات أهل الأهواء أنهم لا يجالسون العلماءَ، ولا يأخذون عنهم السؤال : اقرأ النصين السابقين و شارك مجموعتك في التعرف على الآثار السيئة الناتجة عن استفتاء من لا يعلم ؟ الجواب : الآثار السيئة الناتجة عن استفتاء من لا يعلم : ضياع الدين بضياع احكامه - اتخاذ رؤوسنا جهالا فيضلوا و يضلوا - انتزاع العلم من الأمة بموت العلماء و بقاء الجهال - الفتوى بغير علم كذب على الله تعالى و على الرسول - تحليل الحرام و تحريم الحلال - الفتوى بغير علم من الكبائر نشاط السؤال : تعرف على مصدرين من مصادر الفتوى الموثوقة من خلال الكتب ثم انقل من كل واحد منهما فتوى في موضوع مهم تحب ان تعرضه على زملائك الفتوى المصدر 1- السؤال : سأل عما إذا أكل بعد اذان الصبح في رمضان ماذا يكون ؟ الإجابة : الحمد الله أما إذا كان المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر كما كان بلال قبل طلوع الفجر على عهد النبى صلى الله عليه وسلم، وكما يؤذن المؤذنون في دمشق وغيرها قبل طلوع الفجر ، فلا بأس بالأكل والشرب بعد ذلك بزمن يسير
ذكر الخطيب البغدادي أنه سمع مُناديًا يُنادي في المدينة المُنوّرة أن لا يُفتي في مسجد رسول الله سوى مالك؛ ذلك أنه اشتهر وتواتر عند الناس بفضله وعلمه وتقواه وورَعه ومن يا ترى يكون أعلم بذلك من أصحابه من بعده؟! فمن سئل عن فتوى فينبغي أن يصمت عنها ويدفعها إلى من هو أعلم منه بها أو من كلف الفتوى بها وذلك طريقة السلف

المسلم مُطالَبٌ بالبَحثِ والتحرِّي عمّن يرَى به الأمانةَ والتقوَى والعَقل والتأنِّي، فأثمنُ شيءٍ لدى الإنسان هو دينُه، وأَعظمُ بِضاعةٍ تحقيقُ تقوَى الربّ جلّ وعلا، ومَطلب ذلك لا يكون إلا بالعِلم الشرعيّ الصحيح.

2
الفتوى بغير علم طريق الضلالات
نعم وردت رواية في حق العالم أن يقول الله أعلم ، فعن : للعالم إذا سئل عن شئ وهو لا يعلمه أن يقول : الله أعلم ، وليس لغير العالم أن يقول ذلك
لا تقل كل ما تعلم
*** خطورة الإفتاء بغير علم ***
وعندما نطق الرُّوَيْبِضة في مثل هذه الأزمان دفعنا إلى أمر تضج منه الحقوق إلى الله ضجيجًا، وتعج منه الفروج والأموال والدماء إلى ربها عجيجًا، تُبدّل فيه الأحكام، ويقلب فيه الحلال بالحرام، ويجعل المعروف فيه أعلى مراتب المنكرات, والذي لم يشرعه الله ورسوله من أفضل القربات, الحق فيه غريب، وأغرب منه من يعرفه، وأغرب منهما من يدعو إليه، وينصح به نفسه والناس