{ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ } فتاب اللّه على كثير ممن كانت الوقعة عليهم، وأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين تائبين، فرد عليهم نساءهم، وأولادهم | وأما من لم يؤمن باللّه ولا باليوم الآخر، ولا عنده خشية للّه، فهذا ليس من عمار مساجد اللّه، ولا من أهلها الذين هم أهلها، وإن زعم ذلك وادعاه |
---|---|
فشرع اللّه الجهاد ليحصل به هذا المقصود الأعظم، وهو أن يتميز الصادقون الذين لا يتحيزون إلا لدين اللّه، من الكاذبين الذين يزعمون الإيمان وهم يتخذون الولائج والأولياء من دون اللّه ولا رسوله ولا المؤمنين | { إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ ْ} من المشركين { عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ْ} فإن لهم في العهد وخصوصا في هذا المكان الفاضل حرمة، أوجب أن يراعوا فيها |
{ وَآتَى الزَّكَاةَ ْ} لأهلها { وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ْ} أي قصر خشيته على ربه، فكف عما حرم اللّه، ولم يقصر بحقوق اللّه الواجبة.
30وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة، سمع أن هوازن اجتمعوا لحربه، فسار إليهم صلى الله عليه وسلم في أصحابه الذين فتحوا مكة، وممن أسلم من الطلقاء أهل مكة، فكانوا اثني عشر ألفا، والمشركون أربعة آلاف، فأعجب بعض المسلمين بكثرتهم، وقال بعضهم: لن نغلب اليوم من قلة | وكم من الأدلة الدالة على بطلان هذا القول، ليس هذا محل ذكرها |
---|---|
{ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ْ} و { عسى ْ} من اللّه واجبة | فوصفهم بالإيمان النافع، وبالقيام بالأعمال الصالحة التي أُمُّها الصلاة والزكاة، وبخشية اللّه التي هي أصل كل خير، فهؤلاء عمار المساجد على الحقيقة وأهلها، الذين هم أهلها |
نصر اللّه رسوله والمؤمنين حتى افتتح مكة، وأذل المشركين، وصار للمؤمنين الحكم والغلبة على تلك الديار.
4ولا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم، فإنهم { يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ ْ} الميل والمحبة لكم، بل هم الأعداء حقا، المبغضون لكم صدقا، { وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ْ} لا ديانة لهم ولا مروءة | { 4 ْ} { إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ْ} أي هذه البراءة التامة المطلقة من جميع المشركين |
---|---|
ثم قال: { وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ْ} من هؤلاء المحاربين، بأن يوفقهم للدخول في الإسلام، ويزينه في قلوبهم، ويُكَرِّهَ إليهم الكفر والفسوق والعصيان | { وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ } من كل ما اشتهته الأنفس، وتلذ الأعين، مما لا يعلم وصفه ومقداره إلا اللّه تعالى، الذي منه أن اللّه أعد للمجاهدين في سبيله مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، ولو اجتمع الخلق في درجة واحدة منها لوسعتهم |
فإن كنتم مؤمنين فامتثلوا لأمر اللّه، ولا تخشوهم فتتركوا أمر اللّه، ثم أمر بقتالهم وذكر ما يترتب على قتالهم من الفوائد، وكل هذا حث وإنهاض للمؤمنين على قتالهم، فقال: { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ْ} بالقتل { وَيُخْزِهِمْ ْ} إذا نصركم اللّه عليهم، وهم الأعداء الذين يطلب خزيهم ويحرص عليه، { وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ْ} هذا وعد من اللّه وبشارة قد أنجزها.
9