وهبة الزحيلي، ، دمشق: دار الفكر ، صفحة 1367-1370، جزء الثاني | وقد ذهب الحنابلة إلى أنّ ترك الجمع في السفر أفضل من الإتيان به؛ فهو غير مُستحَبّ عندهم، وكذلك الشافعيّة؛ فهم يرون أنّ ترك الجمع أفضل من الإتيان به، على خِلاف القصر؛ فالأفضل الإتيان به، وذهب المالكية إلى أنّ أداء كلّ صلاة في وقتها أفضل من الجمع |
---|---|
حكم جمع وقصر الصلاة للمسافر حكم قصر الصلاة في السفر الرُّباعية في حال السَّفر مشروعٌ بلا خلاف بين أهل العلم؛ ودليل مشروعيته القرآن، والسُنَّة، والإجماع، فمِن القرآن الكريم قوله -تعالى-: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ، والقصر جائزٌ في السَّفر في حال الخَوف وعدمه، حيث كان الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقصر الصَّلاة وهو حاجٌ، ومعتمرٌ، وغازٍ محارب؛ فلم يقتصر الأمر على الغزوات التي تتضمّن الخوف بل تعدَّته إلى مُطلق السّفر، وقد قال النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بهَا علَيْكُم، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ ، كما أنَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- والصَّحابة من بعده داوموا عليها | لكنّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يداوم عليه مثل قصر الصَّلاة |
أمَّا صلاة التَّطوّع؛ مثل صلاة الضُّحى، وصلاة قيام اللّيل وغيرها، فتُشرع في السَّفر كما هو الحال في الحضر، حيث اتَّفق العلماء على استحباب النَّوافل المُطلقة في حال السَّفر.
11حكمة ومشروعية الجمع والقصر للمسافر شرع الله -سبحانه وتعالى- للمسافر أن يقصرُ، ويجمع في الصلاة؛ ترغيباً له في أداء الفرائض، وتخفيفاً عليه، ورفعاً للحرج والمَشقّة التي قد تطرأ عليه، وتيسيراً عليه في أداء حقٍّ من حقوق الله، فيُقبل على أداءِ الواجب وهو مُرتاحٌ غيرُ نافر، ومنعاً للتقصير، أو الإهمال فيه، أو أن تكون المَشقّة الحاصلة سبباً في ترك الفريضة، وقد كان من -رضوان الله عليهم- في سفرهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَن يقصر الصلاة، ومنهم من يُتِمّها، ولم يَعِب أحدٌ على أحدٍ فِعله، وقد ثبت ذلك في ، وغيره، والسفر في الشرع سبب للتخفيف، والتيسير، والترخُّص للمسلمين؛ فبه يُعذَر المُكلَّفون، ويُرفَع الحرج عنهم في بعض أحكام التكليف، وجواز القصر مشروع للمسافر فقط، ومما يدل على مشروعية القصر قوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ ، ومما يدل على مشروعية جمع الصلاة ما رواه ابن عباس -رضي الله عنه-، حيث قال: جمعَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بينَ الظُّهرِ والعصرِ والمغربِ والعشاءِ بالمدينةِ من غيرِ خوفٍ ولا مطرٍ | وهية الزحيلي ، الطبعة الرابعة ، سوريا: دار الفكر، صفحة 341، جزء الثاني |
---|---|
ويجوز للمسافر بالطائرة الجمع والقصر كغيره من المسافرين مع مراعاة الشروط المُتعلِّقة بالسفر، والمسافة التي سبق ذكرها | الصلوات التي تُجمع وتُقصر في السفر في السَّفر هي صلاة الظُّهر، والعصر، والعشاء، وأمَّا صلاتيِّ المغرب والفجر فلا تُقصران، وبناءً على ذلك تؤدَّى صلاة الظُّهر، والعصر، والعشاء ركعتين في حال السَّفر، وتبقى صلاتيِّ الفجر والمغرب على حالِهما، أما سبب اقتصار القَصر على الصَّلاة الرُّباعية دون الثُّلاثية والثُّنائية فذلك لأنه إذا قُصرت صلاة الفجر يبقي من الصَّلاة ركعة واحدة، ولا نظير لها في الفرض، وإذا قُصرت صلاة المغرب والتي تعد وتر النَّهار -كما رود في الحديث الشريف- بطلَ كونها وتراً، ولأنَّ القصر هو سقوط نِصف الصَّلاة، وبعد سقوط نِصف صلاة الفجر والمغرب لا يَبقى نِصفٌ مشروع |
وبالنِّسبة للجمع؛ فإنَّ الصَّلوات التي تُجمع هي: صلاتيِّ الظُّهر والعصر معاً، وصلاتيِّ المغرب والعشاء معاً، ويتمُّ ذلك في وقت أحدهما، فإن كان في وقت الصَّلاة الأولى -الظُّهر أو المغرب- سُميِّ جمع التَّقديم، وإن كان في وقت الصَّلاة الثَّانية -العصر أو العشاء- سُميِّ.
26سامي نمر أبو عرجة، ، غزة: مجلة الجامعة الإسلامية، صفحة 334-336 | وتجدر الإشارة إلى أنَّ المُعتبر في القَصر المَكان وليس الزَّمان؛ فلو نسيَ المُسافر صلاةً في الحضر وتذكَّرها في السَّفر فإنَّه يقصُرها، وإن ذكر صلاة سفرٍ في الحضر أتمَّها، وإذا دخل وقتُ الصَّلاة ثمَّ سافر فله أن يقصُرها، وإن دخل وقتُ الصَّلاة في سفره ثمَّ عاد إلى بلده فعليه أن يتمَّها ولا يجوز له قصرُها |
---|---|
أمّا قصر الصلاة في السفر فتكون بأن يُصلّي ركعتَين بدلاً من أربع، وكذا العصر، والعشاء، ولا يجوز له أن يقصر كلّاً من صلاتَي المغرب، ؛ إذ إنّ عليه أن يُصلّي المغرب ثلاثاً، والفجر اثنتَين | والقَصر مشروعٌ في كل سفرٍ تُقَصر في مثله الصَّلاة؛ سواءً كان السَّفر واجباً والعُمرة والجِهاد، أو مستحبَّاً كالسَّفر لزيارة الوالدين، أو مباحاً كالسَّفر للنُّزهة، وقد تنوَّعت آراء العُلماء في حكم القصر هل هو رُخصَةٌ -اختياريٌّ- أم عزيمةٌ -واجبٌ-؛ فقال الحنفيَّة بوجوب القَصر في حال السَّفر، وأنَّ فرض المسافر ركعتين فقط ولا يجوز له الزَّيادة عليهما، وقال المالكيَّة إنَّ القصر سُنَّة مؤكَّدة؛ لمُداومة النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- على فعله؛ حيث لم يرد عنه -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه أتمَّ صلاةً قط في حال سفره، وقال الشافعيَّة والحنابلة إنَّ القصر رخصةٌ على سبيل التَّخيير؛ فللمسافر أن يقصر أو أن يُتمّ، إلا أنَّ القصر أفضل من الإتمام لمُدوامة النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- عليه |
الجمع والقصر في الطائرة يحرص المؤمن على أداء صلاته في وقتها، ولا يُخرجها عنه إلّا بعُذر؛ فلو دخل وقت الصلاة أثناء الوجود في الطائرة، فإنّه يُؤدّيها في الطائرة؛ محافظةً على أدائها، وخاصّة إذا امتنع إمكان أدائها في الوقت بعد النزول من الطائرة، أمّا لو كان في الإمكان إدراكها في حال كانت الرحلة قصيرة، فإنّه يُؤدّيها عند نزوله، وهو الأفضل إذا كانت تتسبّب في عدم أداء الصلاة بهيئتها الكاملة.
10